
على غير هدى دون معرفة طريق للنجاة، تسير الطفلة ورد الشيخ خليل بين لهيب نيران أحرقت جذورها، تدور بعينيها يسارًا ويمينًا علها تجد مخرجًا من تلك النار التي أخذت بين رحاها كل ما قابلته، إلا هيّ بقيّت شاهدة على “محرقة” شهدتها مدرسة فهمي الجرجاوي في حي الدرج شرقي مدينة غزة.
“ورد في حالة صدمة وعدم استقرار نفسي، بتكون ساكتة بتطلع حواليها فجأة بتصير تصرخ وتنادي على أمها وأبوها وإخوتها”. هكذا يصف عمها إياد الشيخ خليل حالتها بعد نجاتها من “محرقة” حرّمتها أغلى ما عندها.
مشهد لا يُحتمل
يقول الشيخ خليل لوكالة “صفا”: “ورد عمرها لم يتجاوز الـ 6 سنوات، لكنها عاشت كابوسًا ومحرقة لا يتحمله أي عاقل على وجه الأرض، رأت جميع أفراد أسرتها تأكلهم النيران بينما هي خرجت لتكون شاهدة على ذلك”.
ويضيف “لا تبدي الصغيرة أي ردة فعل كأنها تعيش بيننا جسدًا، أما روحها فقد حلقت حيث والديها وإخوانها”.
مع فجر يوم الاثنين، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة بشعة باستهدافها مدرسة فهمي الجرجاوي التي تُؤوي نازحين في حي الدرج بمدينة غزة، أسفرت عن استشهاد 31 مدنيًا، بينهم 18 طفلًا و6 نساء، وإصابة العشرات.
وأظهر مقطع فيديو نُشر عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الطفلة “ورد” وهي تبحث عن مخرج لها بين ألسنة النيران التي اندلعت في أحد الصفوف الدراسية التي كانت تنام فيه برفقة عائلتها في المدرسة.
ولم تكن صدمة ورد هينة، فهي التي كانت تبيت إلى جانب والدتها وتحتضن يدها أصبعها الصغير، لكنها أفلتته قبل الانفجار الكبير بلحظات، وكأنها آثرت البقاء على الرحيل معها، فكان مشهد احتراق العائلة صورة طُبعت في مخيلتها كي تحكي ما جرى من بطش إسرائيلي لا يرحم صغير ولا كبير.
حرقة وألم
ويتابع عمها “لم تكن ورد تفارق والدتها، كانت لها الأمان الذي خلت منه غزة، كانت دائمًا معها في أي طريق تذهب إليه، أما الآن فهي وحيدة تجدها ترتجف لأي صوت قصف ولو كان بعيدًا”.
لسان الصغيرة شُلَّ من هول ما جرى ورأته، وتحجّر نطقه على بعض كلمات تُعبر عن فاجعة ألمّت بقلبها الذي انفطر، تُحاول أن تحكي كيف أحرقت النار روحها، قبل أن تتركها دون عائلتها، فلا تستطيع إلا أن تبكي بحرقة شديدة.
ويردف “منذ فجر أمس والصغيرة تُردد كلمات محددة فقط “ماما استشهدت وبابا كمان وعبد وسلوان ومحمد وأمل، كلهم بالجنة.. الاحتلال قتلهم، تركوني وراحو”.
ويبين أن الاحتلال استخدم أسلحة تذيب أجساد الغزيين، مضيفًا “بصعوبة بالغة استطعنا التعرف على عائلة أخي، لأت الملامح أُذيبت والأجساد تفحمت، والنار أكلت كل ما يدل على الحياة”.
ويؤكد أنه سيعتني بها ويضمها في كنف أسرته ليعوضها شيئًا مما فقدت، قائلًا: “سأشرف على تربية ورد بين أطفالي وزوجتي، لتبقى تشعر بجو الأسرة، وأنها لم تُحرم منه للأبد”.
ويتسأل عم ورد “أين الدول العربية من ورد وما جرى لها، ألم تُحركهم صورتها بين النيران وهي تحاول النجاة من وسط المحرقة، ألم يكفيهم ما يعيشه أطفال غزة دون أطفال العالم، لهذه الدرجة دمنا رخيص وجرحنا هان عليهم؟”.
ويطالب بضرورة التدخل الدولي والضغط على الاحتلال لإنهاء هذه الابادة حتى لا يتجرع أي طفل ما تذوقته ورد ولا يعيش غيرها ما عاشته، وأن يتوقف شلال الدماء بغزة.
ومنذ بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، استهدف جيش الاحتلال بشكل متعمد وممنهج 241 مركزًا للإيواء والنزوح القسري.