قال مركز الدراسات السياسية والتنموية بغزة إن اتفاق وقف إطلاق النار بين “إسرائيل”ولبنان يمثل محطة محورية قد تعيد رسم أولويات الاحتلال الاستراتيجية؛ مما يفتح المجال أمام تصعيد محتمل أو تهدئة مؤقتة في قطاع غزة.
وأشار مركز الدراسات، في ورقة تقدير موقف أصدرها يوم السبت، إلى أن “الولايات المتحدة تلعب دورًا محوريًا، إذ تسعى إدارة الرئيس بايدن إلى تكرار نجاحها في وقف التصعيد على الجبهة اللبنانية في غزة، ولكن تواجه بتعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يرفض على ما يبدو التوصل إلى أي اتفاق قبل تسلم الرئيس دونالد ترامب الرئاسة مجددًا، نظرًا لتفضيله دعم إدارة ترامب غير المشروط”.
وأضاف أن تفرغ الكيان الإسرائيلي من جبهة الشمال قد يمنحه فرصة لزيادة الضغط على القطاع، لكن في المقابل، قد تستفيد المقاومة الفلسطينية من استقرار الوضع الإقليمي لتعزيز قدراتها وتحسين تحالفاتها.
وأوضح المركز أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيجًا من الضغوط العسكرية والدبلوماسية، ما يتطلب استجابة سياسية وإعلامية متماسكة لتثبيت مكاسب المقاومة ومواجهة التحديات المقبلة.
الاتفاق.. نهاية التصعيد أم هدنة مؤقتة؟
رجّح مركز الدراسات أن يمثل الاتفاق بين الكيان الإسرائيلي ولبنان هدنة مؤقتة، تتيح للأطراف إعادة ترتيب أولوياتهم والاستعداد للمراحل القادمة من الصراع، أكثر من كونه نهاية نهائية للتصعيد، مستحضرا كلام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مقابلة مع القناة 14 العبرية: “لم أقل إن ما يجري هو وقف للحرب بل وقف لإطلاق النار وقد يكون قصيرا”.
ولفت المركز إلى وجود أسباب تدعم هذا التوقع هي: تاريخ الصراع والتوتر المستمر بين “إسرائيل” وحزب الله”، وكذلك عدم معالجة الاتفاق للقضايا الأساسية الجوهرية بين الأطراف، بل ركز على التهدئة الفورية لتجنب تصعيد شامل.
وتابع أن دور الفاعلين الإقليميين يمثل سببا آخر، لأنه هناك أطرافا إقليمية قد تسعى للتأثير على مسار الأحداث في حال حدوث تغيرات جيوسياسية إقليمية، مثل تبدل مواقف دولية أو تحولات في التحالفات.
وقال المركز إن إيران قد تكون أبرز الأمثلة لذلك، لما لها من تشابكات وترابطات مختلفة في الإقليم، وتسعى للتأثير بشكل أو آخر في الأحداث.
انعكاسات على الإقليم
أوضح مركز الدراسات السياسية والتنموية في ورقة تقدير الموقف أن الاتفاق بين “إسرائيل” ولبنان من المحتمل أن يكون له تأثيرات متعددة على العلاقات الإقليمية والدولية، ومنها: تحقيق تهدئة إقليمية مؤقتة مما يمكن أن يسهم في تقليل المخاوف من تصعيد شامل.
وأضاف أن ذلك يؤدي إلى حفاظ إيران على نفوذها في المنطقة كونها الداعم الرئيس لحزب الله، والتأثير على سياسة واشنطن في الشرق الأوسط التي قد تركز جهودها بعد الاتفاق، إذا استمر، على ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني.
ووفق المركز، فإن من التأثيرات أيضا أن يتشكل ضغط دولي متزايد على “إسرائيل” لفتح قنوات دبلوماسية أكثر فاعلية مع الفلسطينيين، والدعوة الدولية لتهدئة شاملة أو مفاوضات جديدة.
وزاد أن الاتفاق قد يؤدي إلى إعادة تقييم التحالفات الإقليمية، وتسعى بعض الدول تعزيز دورها كقوة مؤثرة في الصراعات الإقليمية مثل تركيا.
ومن ذلك أيضا، أن تحقيق الاتفاق مع لبنان، قد يؤثر على علاقات “إسرائيل” مع دول الخليج، حيث يسعى الكيان إلى تعزيز صورته كشريك أمني لها كونه يشاركها القلق من تأثيرات إيران الإقليمية، ما قد يدفع بعض دول الخليج لتوسيع التعاون الأمني والاستخباراتي معه، وصولا لاتفاقيات تطبيع جديدة، وفق المركز.
وأكد أن نتائج الاتفاق النهائية ستعتمد على استمراريته وتأغيره على الأرض، واستجابة الأطراف المختلفة له.
وفي هذا الخصوص، أجمل مركز الدراسات بقوله إن نجاح الاتفاق قد يسهم في تغيير ديناميكيات المنطقة على المدى القصير إلى المتوسط، لكنه لا يبدو مرجحًا أن يؤدي إلى تغييرات جذرية في ظل الأوضاع الحالية.
الأهم.. ما تداعيات الاتفاق على الحرب على غزة؟
طرح مركز الدراسات أربعة سيناريوهات متوقعة لتطور الحرب الإسرائيلية على غزة، تعتمد على استجابة أطراف الصراع وتفاعلاتهم مع الأوضاع المتغيرة على الأرض.
وهذه السيناريوهات تبدأ من احتمال تصعيد الكيان الإسرائيلي حربه على غزة، من خلال زيادة الغارات الجوية وتصعيد بري محدود وتضييق الخناق على القطاع، الأمر الذي قد يدفع فصائل المقاومة لتغيير أساليبها القتالية، لتتناسب مع حرب استنزاف طويلة ضد الاحتلال.
أما السيناريو الثاني، كما ورد في ورقة تقدير الموقف، فهو تهدئة مؤقتة في غزة، وهدنة إنسانية يتوصل إليها بوساطة دولية، ويتم تعزيز الجهود الدبلوماسية لدول مثل قطر ومصر وربما تركيا.
وثالث السيناريوهات وفق المركز، تصعيد شامل وواسع النطاق، خاصة إذا انهار الاتفاق في لبنان، وفشلت الجهود الدولية في احتواء الوضع.
وهنا، أوضح المركز أن الكيان قد يتخذ قرارا بعملية برية كبيرة في غزة، وقد يتسع نطاق مشتركة أطراف إقليمية بشكل غير مباشر لدعم فصائل المقاومة مثل جماعة أنصار الله في اليمن، و”المقاومة الإسلامية” في العراق، مما يزيد من تعقيد المشهد ويعطيه بُعدًا إقليميًا أوسع.
وأخيرا، فإن آخر السيناريوهات المحتملة، وفق المركز، هدنة طويلة الأمد واتفاق سياسي مؤقت، يكون ضمنه تخفيف للحصار على غزة، وبعض إجراءات بناء الثقة مثل إطلاق سراح الأسرى وإعادة بناء البنية التحتية في غزة، بما يسهم في تحسين الوضع الإنساني وتخفيف التوترات.
التوصيات
وأوصى المركز بتكثيف الجهود الدبلوماسية مع الحلفاء الإقليميين لضمان استمرار الدعم السياسي والإنساني.
ولفت إلى ضرورة الاستفادة من الحراك الدولي للضغط باتجاه تهدئة متوازنة.
وأشار المركز إلى أهمية تعزيز الخطاب الإعلامي الذي يبرز معاناة المدنيين في غزة لاستقطاب التعاطف الدولي.
وحث على تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية لتأطير الحرب وآثارها في سياق قانوني وإنساني.
وشدد على ضرورة التنسيق مع وسائل الإعلام الإقليمية والدولية لتوحيد الرسائل وضمان الوصول إلى جمهور أوسع.