قال مركز الدراسات السياسية والتنموية بغزة، يوم السبت، إن الكيان الإسرائيلي يواجه عزلة دولية متزايدة على الأصعدة كافة نتيجة لعدوانه المتواصل على قطاع غزة.
وبيّن مركز الدراسات، في ورقة حقائق اطّلعت عليها وكالة “صفا”، مظاهر العزلة الدولية للكيان وشملت الجانب السياسي، الدبلوماسي، الأكاديمي، العسكري، الاقتصادي، الثقافي والرياضي جراء حركة المقاطعة الدولية التي برزت كأداة فعالة للضغط على الاحتلال ومحاسبته.
وأوضح المركز أن ذلك جاء نتيجة تزايد الانتهاكات الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني لا سيما بعد حرب الإبادة في القطاع، ما أدى لإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي.
ونستعرض فيما يلي تأثيرات المقاطعة على القطاعات المختلفة كما فصّلها مركز الدراسات:
المقاطعة الدبلوماسية
قال مركز الدراسات إن عدة دول أعلنت، منذ بدء الحرب على غزة، قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي أو استدعاء سفرائها، وأصدرت بيانات عدائية، أو أطلقت مبادرات، أو صوتت على قرارات ضدها.
وأضاف أن دولا مختلفة فرضت عقوبات على كيانات إسرائيلية، خصوصا المتطرفين اليهود والمستوطنين، كما هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الكيان، واستدعت 9 دول على الأقل، بما في ذلك الأردن والبحرين وتركيا وكولومبيا وهندوراس وتشيلي وبليز وجنوب إفريقيا وتشاد، سفراءها من الكيان الإسرائيلي.
وقطعت بوليفيا ونيكاراغوا جميع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، وأعلنت إسبانيا والنرويج وإيرلندا الشهر الماضي اعترافهم بدولة فلسطينية.
وتابع المركز: “تدرس دول أوروبية أخرى تحركاتها ويمكن أن تحذو حذوها، وفي إجراء آخر أثار غضب الكيان الإسرائيلي، ذكرت حكومة جزر المالديف أنه لن يسمح للإسرائيليين بدخول البلاد، على خلفية الحرب على غزة.
المقاطعة الأكاديمية
أسهمت الحرب في تعزيز ساحة الحراك في مختلف الجامعات العالمية حول القضية الفلسطينية، وهي المساحة التي كانت محل شد وجذب بين أنصار فلسطين وأذرع الاحتلال والمنظمات الداعمة له.
وواجه الكيان مقاطعة أكاديمية عالمية غير مسبوقة بسبب الحرب على غزة؛ حيث يتم طرد علمائها من المجموعات البحثية العالمية، وإنهاء التعاون معهم، ورفض مقالاتهم وأبحاثهم، وكذلك إلغاء مشاركتهم بالمحاضرات والمؤتمرات الأكاديمية بالجامعات حول العالم.
ودفعت الاحتجاجات المتصاعدة للطلبة العديد من إدارات الجامعات حول العالم إلى إلغاء المحاضرات والزيارات للمحاضرين الإسرائيليين، في حين فرضت بعض الجامعات العالمية مقاطعة أكاديمية على مختلف الجامعات والكليات الإسرائيلية.
وتلقّى كثير من المحاضرين الإسرائيليين إشعارات مسبقة بعدم حضور المحاضرات والمؤتمرات العالمية في العديد من الجامعات حول العالم، بينما وصل آخرون ووجدوا أن محاضرتهم قد ألغيت احتجاجا على استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، ومنع المساعدات الإنسانية وتجويع الغزيين.
وشهدت الجامعات الأمريكية تصاعداً ملحوظاً في المظاهرات الطلابية المؤيدة للقضية الفلسطينية بعد الحرب الأخيرة على غزة، ودفعت هذه الحرب، وما رافقها من جرائم إبادة، الطلاب إلى الخروج في مظاهرات حاشدة للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي ومساءلة مرتكبي الجرائم، وطالب المتظاهرون بسحب الاستثمارات الجامعية من الشركات التي تدعم الصناعة العسكرية الإسرائيلية، مثل Boeing وHewlett-Packard، وقطع العلاقات الأكاديمية مع المؤسسات الإسرائيلية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان. وشهدت جامعات مثل كولومبيا وهارفارد مظاهرات كبيرة، حيث رفع الطلاب الأعلام الفلسطينية ورددوا هتافات منددة بالاحتلال.
وأثرت هذه الاحتجاجات على أجندة العديد من الجامعات، مما دفع بعضها إلى عقد جلسات نقاش حول القضية الفلسطينية وإعادة النظر في سياساتها المتعلقة بالكيان الإسرائيلي.
وقد تركت هذه الاحتجاجات والمظاهرات تأثيراً عميقاً على العلاقات الأكاديمية بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، وساهمت بشكل كبير في عزلته الأكاديمية.
المقاطعة العسكرية
تعد مقاطعة الكيان الإسرائيلي عسكريًا، خاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة، خطوة حاسمة في مواجهة استمرار الاحتلال في عدوانه على القطاع.
وأشار مركز الدراسات إلى أن جيش الاحتلال يعتمد بشكل أساسي على الدعم العسكري الخارجي، حيث توفر الولايات المتحدة حوالي 3.8 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية، تشمل تقنيات متقدمة مثل طائرات “F-35″ ” وصواريخ Hellfire” وأنظمة الدفاع مثل “القبة الحديدية”.
ويعتبر الكيان الإسرائيلي واحدا من أبرز مُصدّري الأسلحة عالميًا، حيث تستخدم التجارب العسكرية على الأراضي الفلسطينية كسوق اختبار لأسلحتها، مما يزيد من رواجها دوليًا تحت شعار “مجرّبة في ميدان القتال”.
وهناك سوابق واضحة لنجاح الضغوط والمقاطعات في هذا السياق. على سبيل المثال، أوقفت النرويج استثمارات صندوقها السيادي في شركات إسرائيلية تعمل في قطاع التسليح مثل “Elbit System” التي توفر تقنيات المراقبة والطائرات المسيرة المستخدمة في استهداف الفلسطينيين.
وأعلنت دول مثل جنوب إفريقيا وشيلي فرض قيود على التعاون العسكري مع الكيان الإسرائيلي، مستشهدة بجرائم الحرب ضد المدنيين.
إلى جانب ذلك، استجابت شركات كبرى مثل “G4S” و”HP” للضغوط بوقف أنشطتها المرتبطة بمنظومة الاحتلال.
وواجهت الشركات الإسرائيلية المصنعة للأسلحة مقاطعات ملحوظة في المعارض الدولية، على سبيل المثال، مُنعت الشركات الإسرائيلية من المشاركة في معرض الأسلحة البري Eurosatory في فرنسا، وتكرر الموقف في معرض Euronaval للأسلحة البحرية، حيث اضطرت الشركات الإسرائيلية إلى اللجوء إلى القضاء لإلغاء القرار.
وأعلنت دول عديدة رغبتها في تقليص التعاون العسكري معه، مما يشمل توريد قطع حيوية لا يمكن تصنيعها محليًا بسهولة، مثل مكونات إلكترونية ضرورية لصناعة الصواريخ الدقيقة.
المقاطعة الاقتصادية
ألقت الحرب بظلالها على مختلف جوانب الاقتصاد الإسرائيلي، فالتبعات السلبية تواصل انعكاساتها على شتى القطاعات الاقتصادية، فقد تراجعت قيمة العملة الإسرائيلية، وكذلك انخفضت البورصة بصورة ملحوظة بسبب هروب الكثير من المستثمرين الأجانب.
وتشير التقديرات إلى أن قيمة العملة الإسرائيلية تراجعت بنسبة 5% على الرغم من ضخ البنك المركزي الإسرائيلي قرابة 30 مليار دولار للحفاظ على قيمة الشيكل، وقد أثر ذلك على رصيد “إسرائيل” من احتياطيات النقد الأجنبي.
أما خسائر البورصة في الكيان الإسرائيلي فقد قُدرت بنسب تتراوح بين 9% و20% على مدى فترات مختلفة، وكان قطاع البنوك الأكثر تضررا في البورصة بسبب خروج المستثمرين الأجانب، وقدرت دراسة للمعهد العربي للدراسات خسائر البورصة الإسرائيلية بسبب الحرب على غزة بنحو 20 مليار دولار.
التصنيف الائتماني
وفي آخر النتائج الخاصة بالتأثيرات السلبية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي تخفيض التصنيف الائتماني من الوكالات المختصة، وآخرها “ستاندر آند بورز”، والتي خفضت تصنيف الكيان الإسرائيلي منA +” إلى “A” وذلك للمرة الثانية خلال عام، وأبقت على نظرتها المستقبلية السلبية، نظرا للمخاطر الجيوسياسية والأمنية حول الكيان الإسرائيلي.
قطاع السياحة
تكبد قطاع السياحة الإسرائيلي خسارة بلغت 19.5 مليار شيكل (5.25 مليارات دولار) خلال سنة من العدوان على غزة وتداعياته في المنطقة، وفق ما ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
وبلغت الخسائر في قطاع السياحة الدولية 18.7 مليار شيكل (5.04 مليارات دولار) بينما سجّلت خسائر في قطاع السياحة الداخلية بلغت 756 مليون شيكل (204 ملايين دولار)، وفق الأرقام التي نقلتها الصحيفة عن وزارة السياحة.
وقدّرت وزارة السياحة كلفة إسكان النازحين بنحو 5.45 مليارات شيكل (1.5 مليار دولار) وتم تحويلها إلى الفنادق القريبة، مشيرة إلى أنه تم دفع 3.18 مليارات شيكل (859 مليون دولار) إضافية مباشرة كمنح معيشية للنازحين الذين اختاروا العيش في أماكن بخلاف الفنادق.
ارتفاع معدلات التضخم
ارتفع معدل التضخم في الكيان خلال أغسطس/آب الماضي إلى أعلى معدل له في نحو سنة عند 3.6% من 3.2% في يوليو/تموز، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفق ما أظهرت بيانات المكتب المركزي للإحصاء.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة أعلى من المتوقع بلغت 0.9% في أغسطس/آب مقارنة بيوليو/تموز، مدعوما بارتفاع تكاليف المنتجات الطازجة والأغذية والإسكان والنقل والتعليم والترفيه، ولم يتم تعويض هذه الزيادة إلا جزئيا من خلال الانخفاضات في الملابس والأحذية والاتصالات والأثاث.
وفي أغسطس/آب، تم تسجيل زيادات في تكاليف الخضراوات الطازجة، التي قفزت بنسبة 13.2%، وارتفعت تكاليف النقل بنسبة 2.8%، والإسكان بنسبة 0.6%، والثقافة والترفيه بنسبة 0.5%، وفقا لمكتب الإحصاء.
قطاع الطيران
منذ السابع من أكتوبر، بدأت شركات الطيران العالمية تتخذ خطوات غير مسبوقة في تعليق رحلاتها إلى الكيان، خاصةً مع توسع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما دفع الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي إلى إصدار توصيات بوقف الرحلات إلى الكيان الإسرائيلي، شملت المطارات الرئيسية الثلاثة: “بن جوريون”، و”رامون”، و”حيفا”؛ لضمان سلامة الركاب وطاقم الطائرة، في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة.
وتوقفت أكثر من 30 شركة طيران عالمية عن تسيير رحلاتها من وإلى تل أبيب عدة أسابيع وشهور، وبعضها مدد التوقف حتى نهاية عام 2024 ومنتصف العام المقبل، أو ربما حتى إشعار آخر.
ولم ينته الأمر عند ذلك، بل قررت شركات كبرى إزالة تل أبيب من قائمة حجوزاتها حتى إشعارٍ آخر، ما يعكس فقدان الثقة في قدرة الكيان الإسرائيلي على استعادة حركة الطيران بشكلٍ طبيعي في المستقبل القريب.
قطاع الرياضة
تأثر القطاع الرياضي الإسرائيلي بشدة من حركة المقاطعة.
ومن أمثلة ذلك، خلال مباراة جمعت المنتخب الإيرلندي للشابات تحت 17 عاما بنظيره الإسرائيلي في تصفيات كأس الأمم الأوروبية بالعاصمة الألبانية تيرانا، وأثناء عزف النشيد الوطني الكيان الإسرائيلي، قامت لاعبات الفريق الأوروبي بإدارة ظهورهن.
ورفضت لاعبات المنتخب الإيرلندي للسيدات اللاتي واجهن المنتخب الإسرائيلي في مباراة تصفيات بطولة أوروبا لكرة السلة في العاصمة اللاتفية ريغا، مصافحة اللاعبات الإسرائيليات قبل المباراة، احتجاجا أيضا على الحرب في غزة.
وأقيمت مباراة بدون جمهور بين منتخبي اسكتلندا والكيان الإسرائيلي في تصفيات كأس أوروبا 2025 للسيدات في كرة القدم، خوفا من حالة الاحتجاج، ومع ذلك تم تأجيل انطلاق المباراة، لأكثر من 30 دقيقة، بعد أن اقتحم رجل الملعب وقيّد نفسه بعارضة المرمى.
وارتدى المحتج قميصا كُتب عليه “بطاقة حمراء لإسرائيل”، قبل إخراجه من الملعب.
وشكّل الاشتباك العنيف مع مشجعي فريق مكابي تل أبيب في أمستردام، بعد الاستفزازات التي قام بها وشعاراته العنصرية التي أطلقها، وإنزال العلم الفلسطيني من على إحدى المباني، أبرز الشواهد على انعزال القطاع الرياضي لدى الكيان.
وأجبرت فرق إسرائيلية على استضافة مبارياتها خارج البلاد، وتواجه صعوبة كبيرة في التعاقد مع لاعبين أجانب.
وعاد روبي كين، مدرب فريق مكابي تل أبيب لكرة القدم إلى أيرلندا بعدما تلقى تهديدات، وكذلك مدرب فريق هبوعيل القدس ألكسندر دزيتشيتش غادر الكيان، ومعه العديد من اللاعبين الذين تم التعاقد معهم بصعوبة خلال العام الماضي.
قطلع الثقافة والفنون
قال دان بسمان، مدير فني في شركة بالاس إن مجال استقدام الفنانين إلى “إسرائيل” انتهى تمامًا، لن يحدث ذلك في السنوات المقبلة، في عام 2023، حضر فنانون عالميون مثل برونو مارس، غنز أن روزس، وترافيس سكوت، لكن هذا العام لم يأتِ أي نجم كبير. السبب ليس فقط الوضع الأمني، بل أيضًا تعبير العديد من الفنانين عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل الارتباط بــ”إسرائيل” أشبه بالانتحار المهني.
وأوضح كوبي فرحي، قائد فرقة أورفاند لاند أن “نشاط الفرقة تراجع بنسبة 50%، جولتنا الأوروبية المخطط لها في يناير تم تأجيلها بسبب المخاوف الأمنية وانخفاض مبيعات التذاكر، وهناك انخفاضًا ملحوظًا في الحضور، “عندما يذهب الجمهور إلى حدث ثقافي، يريدون الاستمتاع، لا أن يواجهوا مظاهرات خارج القاعة”.
وتعرض الفنانون الإسرائيليون لموجة من المقاطعة الدولية،حيث وقع أكثر من 8,700 فنان على عريضة تطالب بإلغاء مشاركة “إسرائيل” في بينالي فينيسيا، مما أدى إلى إغلاق الجناح الإسرائيلي.
أما فرقة “بات-شيفا”، التي كانت تمثل رمزا للفن الإسرائيلي، لم تغادر البلاد طوال العام الماضي، وهو ما لم يحدث منذ 1965.
التوصيات
أوصى مركز الدراسات بزيادة التنسيق الدولي وتطوير شبكة عالمية موحدة تعمل على تنسيق الجهود بين مختلف الفروع لتعزيز المقاطعة وتوسيع قاعدة عزل الكيان الإسرائيلي.
وأكد ضرورة تعزيز الجهات المقاطعة من خلال التواصل معها وتشجيعها على الاستمرار لزيادة الضغط على الكيان الإسرائيلي واستمرار عزلته.
وشدد على ضرورة توسيع نطاق المقاطعة الثقافية والرياضية ودعم الفنانين والرياضيين الذين يتبنون مواقف ضد الاحتلال، مع تعزيز المواقف المؤيدة للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
وأرشد إلى أهمية إطلاق حملات إعلامية تستهدف كشف انتهاكات الكيان الإسرائيلي للقانون الدولي، وتوضيح أن حركة المقاطعة تستهدف الاحتلال وسياساته وليس اليهود كديانة.
وختم مركز الدراسات السياسية والتنموية بغزة بالحث على بناء شراكات مع المنظمات الحقوقية العالمية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” لدعم الجهود القانونية ضد الكيان الإسرائيلي وتعزيز مواقف المقاطعة.